السبت، 6 يوليو 2013

الباب المفتوح 2

- كنت بالأمس قد بدأت تدوينة عن فيلم الباب المفتوح واليوم أكملها..بدايةً فيلم الباب المفتوح مقتبس عن رواية للكاتبة "لطيفة الزيات" بنفس العنوان، وإخراج "هنري بركات" المخرج العبقري وبطولة سيدة الشاشة العربية "فاتن حمامة" ولاعب الكرة المشهور ورئيس النادي الأهلي السابق "صالح سليم" وتم إنتاجه عام 1964 . العجيب أن هذا الفيلم كان يناقش عدة قضايا اجتماعية - رغم المثالية الشديدة التي تصبغ كل مشاهده - مازال مجتمعنا المصري يعاني منها.
- بدأت قصتي مع هذا الفيلم منذ كنت في الرابعة عشرة من العمر.. كأي مراهقة تحلم بالحب والحرية كان هذا الفيلم "زادي" الذي أقتات منه، والملهم دوماً لأحلامي. كنت أشعر بأنني كليلى المتمردة أحياناً والخاضعة أغلب الوقت، وأنني في انتظار دائم لـ "حسين" الفارس الذي سيدفعني لتغيير مصيري.. وكبرت وتوقفت القنوات عن عرض مثل هذا الفيلم ولست أدري ما السبب وراء ذلك وتوقفت أنا كذلك عن البحث عنه بين شاشاتها.. لكن فكرة الفيلم ظلت كامنة تختبئ في زوايا عقلي تدفعني للتفكير بين الفينة والأخرى في إجابة عن هذه الأسئلة .. هل نحن معشر الفتيات (النساء عموماً) قد نلن حريتنا بالفعل ؟ ما حقيقة الارتباط بين تحقيق حرية الوطن و تحقيق حريتنا الخاصة بنا؟.. لكنني لم أجد إجابة شافية على هذه الأسئلة.
- "بابا غلط وإنتِ كمان غلطانة !"
 "إنتَ كمان بتقول غلطانة؟! غلطانة في إيه بس؟ ما قتلتش حد ما سرقتش حد .. خرجت في مظاهرة فيها ألأف بنت زيي ..عبرت عن شعوري.. فعلاً غلطانة ..أيوا غلطانة عشان عبرت عن شعوري كأني إنسان .. ونسيت إني مش إنسان .. نسيت إني بنت .. مش ده اللي عاوز تقوله ؟!"
"أنا ما قتلش الكلام الفارغ ده .. إنتِ عارفة كويس قد إيه انا باحترم المرأة وقد إيه أنا مؤمن بإن لها .."
"إن لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات .. على الورق .. على الورق بس !"
"ورق إيه بس ؟!"
"كلام حلو عالورق .. إنما لما تيجي للجد تبقى أختك غلطانة"
"أيوا فهمني عشان أنا ما بقتش فاهمة حاجة أبداً.. كل حاجة أعملها عيب.. كل حاجة أعملها غلط .. الضحكة دي عيب .. عيب ليه يا ماما ؟ .. مش عالأصول .. والكلمة الكلمة اللي طالعة من القلب عيب .. أسكت عيب .. أدخل للضيوف عيب .. أنا احترت معاكي يا ماما.. كل حاجة أعملها عيب"
"إنتِ بنت واللي يمشي عالأصول ما يتعبش!"
"أنهي أصول بس فهموني؟ .. إنتَ كنت دايماً بتقولي البنت زي الولد تمام، واللي بيسموه أصول ده مش أصول بالمرة.. وصدقتك ..ودلوقت أنا مش فاهمة حاجة خالص .. أصدقك إنتَ ولا أصدقك هما.. إيه الصح وإيه الغلط ؟"
"أنا نفسي مش عارف إيه الصح وإيه الغلط .. كلنا مش عارفين !"
هذه كانت بداية الفيلم .. مشهد ليلى التي تُعاقب من قِبل والدها لنزولها المظاهرات وحوارها مع أخيها وعلى خلفيته حوار سابق مع والدتها والحيرة التي انتباتها لأنها لم تعد تعلم هل من حقها أن تنزل للشارع وتتظاهر معبرة عن رأيها ومقاومة لشكل من أشكال احتلال وطنها أعاد إلى ذهني مشهد يحدث في بيوت مصرية كثيرة.. فمازالت هناك أسر ترفض مشاركة بناتها في التظاهر وتعتبره عيباً .. وحتى لو خرجت الفتيات فهن صرن يعانين من التحرش الذي يطالهن في الشارع باعتبار " إن اللي بتتظاهر في الشارع دي أهلها مش مربينها ومستغنيين عنها" أو "هي نازلة مخصوص عشان تشد الانتباه ليها" .. وما بين هذا وذاك تقف كثير من بنات جيلي إما خائفات وخاضعات وإما متمردات يقاومن وينزلن لكنهن يعانين في داخلهن من أشكال استباحة أجسادهن ونفوسهن .. وفي النهاية لا يعلمن كما قالت ليلى وقال محمود "إيه الصح وإيه الغلط ؟!"
- "والنبي ده مش حرام ؟! ..أنا مش فاهمة إزاي بس حتتجوزه؟!"
"ياسلام يا ستي يعني لسه ما فهمتي ! زي ما أمك اتجوزت أبوكي !"
"من غير حب .. من غير شوق .. من غير إحساس ؟!"
"طب بس بس إنتِ حتلطمي .. ما احنا حافظينهم !"
"أنا مش باهزر يا عديلة .. أنا باتكلم جد ..أمك اتجوزت من غير حب عشان ما كانتش تقدر تعمل غير كده .. إنتِ زي أمك .. أفكارك زي أفكارها ؟!"
"والله احنا مصيبتنا تقيلة .. عالأقل امهاتنا كانوا فاهمين وضعهم  لكن إحنا ضايعين .. لا احنا فاهمين إذا كان الحب حلال ولا حرام .. أهالينا يقولوا حرام وراديو الحكومة ليل مع نهار يغني للحب .. والكتب معظمها بيقول للبنت إنتِ حرة ..لكن لو صدقت تبقى مصيبتها تقيلة وسمتعها زي الهباب !"
هذا الحوار دار في مشهد خطبة ابنة خالة ليلى من رجل ثري .. هذا المشهد على قدمه مازال يتكرر بكل حذافيره ويعكس أزمة نفسية تعاني منها كل بنات جيلي ..فإما زواج الصالونات وإما العنوسة .. لا ندري ما إذا كان الحب حلالاً أم حراماً .. ولو وجدنا الحب الذي نحلم به قد نعاني من غدر الطرف الآخر الذي يتعبرنا تسلية له، هذا غير الويل والوعيد الذي قد نناله من أهلنا لمجرد أننا نحب .. ونظل دائما خائفات نخبئ المشاعر التي بداخلنا وكأنها عار علينا .. وقليلات منا اللواتي ينجحن في الخروج من تلك الأزمة .. ويبقى في الخلفية صوت أغاني وأفلام الحب بقديمها وجديدها وكأنها سوط يجلدنا على ظهورنا دون ان نتمكن من الصراخ أو التأوه.
- "عزيزتي ليلى .. ترددت كثيراً قبل أن أكتب إليك .. ولكن حنيني الجارف إلى الوطن لم يترك لي الاختيار.. فقد اصبحتِ أنتِ رمزاًَ لكل ما أحبه في وطني .. ووعندما أفكر فيكِ أحن إلى مصر.. أحن إليكِ .. أكاد أراكِ تبتسمين ، فأنتِ لا تصدقينني أليس كذلك ؟! .. أنتِ لا تثقين بي .. أنتِ تخافي أن تتعلقي بي .. أن تفني كيانك في كياني.. وأنا أحبك وأريد منكِ أن تحبيني .. ولكن لا أريد منكِ أن تفني كيانك في كياني ولا في كيان أي إنسان .. أريد لكِ كيانك الخاص المستقل والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين .. وإذ ذاك فقط تحققين السعادة .. فأنتِ تعيسة يا حبيبتي لأن تيار الحياة فيكِ لم يمت .. بل بقي حياً يصارع من أجل الانطلاق فانطلقي يا حبيبتي .. افتحي الباب عريضاً على مصراعيه .. واتركيه مفتوحاً وفي الطريق المفتوح ستجدينني في انتظارك. "
خطاب حسين إلى ليلى .. حسين صديق أخيها الذي تعرف عليه أثناء انضمامه إلى حركة المقاومة ضد الانجليز .. أحب حسين ليلى حباً من نوع خاص نجده ظاهراً في الخطاب .. هذا الخطاب منذ فترة ليست بالطويلة وبالتحديد في منتصف العام الماضي انتشر وبشكل واسع على موقع الفيس بوك بين صديقاتي وعلى الصفحات المختلفة الثقافية منها والترفيهية أيضاً .. هذا الخطاب هو حلم كل ليلى كامنة بداخلنا .. فالفتاة في مجتمعنا تعاني لأنها لا تجد هذا النوع من الحب .. العريس وأي عريس يأتي يريد الفتاة المطيعة التي لا تجادل ولا تناقش .. وتبدأ أولى خطوات الطاعة بأن "تسلم مرتبها للزوج" .. وتتباين المظاهر ما بين عدم الاعتراض أو إبداء الرأي مهما كانت مثقفة في الجدال أو النقاش في القضايا المختلفة بدءاً من أمور المنزل وانتهاءً بأمور الحياة العامة.. وبين هذا وذاك تقف بنات جيلي تعيسات .. تعيسات لأن أغلبهن قد تربين منذ الصغر على أنهن كيان ناقص لا يكتمل إلا في كنف رجل ما ..ونظل نبحث طيلة عمرنا عن إحساس الثقة والأمان في الرجل .. ولكن قد تنتهي رحلة الحياة دون أن نجده حتى لو سكننا في كنف "رجل" ما .. وننسى أن الأمان والثقة تنبعث منا نحن و من تحقيق أهدافنا في الحياة ..لكن المجتمع دوما يقف عقبة في سبيل أن نشعر بهذا .. ربما لأن المجتمع بطبعه ذكوري ويرى أننا لو شعرنا بذلك فلن تعود هناك الحاجة للرجل .. وبرغم رفضي لهذا الاعتقاد إلا أنه ومن خلال كل ما رأيته تيقنت أنه حقيقي وواقعي ..
- الفيلم مليء بمواقف لأفراد المجتمع المتناقضة .. فخطيب ليلى الدكتور فؤاد المتعلم المثقف يرى أنه عندما يبحث الرجل عن زوجة فإنه يجب أن يجد المرأة "العجينة" التي يسهل تشكيلها في يده .. وأنه لا يوجد حب بل رغبة والرجل الذكي هو الذي يسبع رغباته "بالصحوبية" أما عند الزواج فعليه أن يقترن بمن يسهل التحكم بها لتكون مهمتها تربية الأبناء فقط .. وهذا للأسف هو حال رجال كثيرين في مجتمعنا المصري والعربي عموماً.. وجميلة ابنة خالة ليلى التي ظلت تحلم بالثراء والراحة في كنف زوج وعندما تحقق لها ذلك وجدت أنها محرومة من الحب .. من اللمسة والكلمة الحانية وهي أبسط مظاهر العشق فانزلقت إلى الخيانة .. وبرغم محاولاتها للخروج والرجوع إلى نور الشرف إلا أن الأم أجبرتها على البقاء في وحل الخيانة طالما ظل الأمر سراً فالطلاق فضيحة .. وهذا أيضاً هو حال كثيرات من النساء .. فـ "ضل راجل ولا ضل حيطة" و"العيال هتتشرد لو حصل طلاق" لتعيش أغلب النساء في دائرة من القهر الذاتي والمجتمعي إلى أن يأذن الله بذهابها إلى عالم أفضل متناسية أن هناك جيل صغير يكبر ويشب على الصمت والخضوع وممارسة الإذلال أيضاً تجاه شريك المستقبل.
- في نهاية الفيلم تنجح ليلى في كسر القيد بالذهاب إلى بورسعيد لتشارك حسين المقاومة والكفاح لتحرير الوطن في الظاهر وتحرير نفسها في حقيقة الأمر .. هذا الوضع بدأت أشعر به بعد ثورة 25 يناير حين بدأت الفتيات من بنات جيلى وحتى أمهاتنا بالثورة ولو كانت على استحياء لكن الواقع أنهن بدأن كسر القيد حين وضعن نصب أعينهن حقيقة "وصل كيانهن بالأرض الطيبة .. أرضنا .. وبالشعب الطيب ..شعبنا" وبهذا فإنهن قد وجدن حباً أكبر منهن .. "حباً كبيراً يكبر به الإنسان ويشتد .. حب الوطن !".
الثورية الحالمة بقلم أحمد الخطيب 
 تم تحريره في 5/7/2013 ونشره في 6/7/2013

هناك تعليقان (2):

  1. انا بعشق الفيلم ده
    تقريبا فى جمل و مشاهد حفظاها صم
    تدوينة رااائعة :)

    ردحذف
  2. أشكرك يا آية والحمد لله إنك لم تريني متجنية في بعض تحليلاتي وأحكامي التي وصلت إليها من خلال مشاهدتي للفيلم ^_^

    ردحذف