المكان : في الشارع مروحين
الوقت : ليلة 23 يوليو ( لا أذكر السنة على وجه التحديد !)
الحوار :
- يلا بقى مدوا شوية عاوزة ألحق الفيلم !
- إيه يا بنتي على مهلينا .. وبعدين هنوصل ونلحقه
- نوصل إيه بس مش كفاية إنه ابتدا وانا لسه برة ..انتم مش سامعين صوت الموسيقى التصويرية وحوار الممثلين اللي طالع من بلكونات الناس في الشارع ؟! .. كل الناس مشغلاه تقريبا أهه !
- طب بس خلاص أدينا قربنا أهه
- أنا أصلا مش هانزل تاني في اليوم اللي ابقى عارفة إنه هيتعرض فيه .. بس كده هه !
** نهاية الحوار **
في كل سنة وفي نفس اليوم كان الموقف ده تقريبا بيتكرر أو إني أبقى في البيت بس ما ألحقش الفيلم من بدايته .. يعني من أول مشهد لما علي يبقى مستخبي وبعدين فجاة ينقذ انجي من الموت .. أكيد عرفتم انا باتكلم على فيلم إيه .. إنه الفيلم الذي أعشقه .. الفيلم الأثير لدي .. فيلم "رد قلبي" !
مش فاكرة أنا ابتديت أتفرج على الفيلم ده من سنة كام بالتحديد ولا فاكرة ابتديت أحبه من إمتى ولا ليه حتى .. كل اللي فاكراه إني هِمْت بقصته وعشقت يوسف السباعي الروائي العظيم وصاحب الرواية المقتبس عنها الفيلم وصاحب السيناريو والحوار بتاعه كمان..
قصة الظلم والفقراللي كانوا بتعاني منهم أمة بحالها ودارت فصولها في قصة أصغر هي قصة حب بين بطلين من طبقتين متفاوتين تماما .. قصة الحب بين ابن الجنايني الفقير اللي يادوب قادر أبوه يعيشهم وبيستنى المنة والإحسان من الأمير اللي بيشتغل عنده وبين بنت الأمير الجميلة الرقيقة اللي شالت كل الحواجز والمسافات بينها وبين ابن الجنايني وما هماش هو إيه ولا مين ولا ظروفه شكلها إزاي وصدقت بس إنهم كلهم بشر زي بعض من حقهم يعيشوا ويحلموا وما شافتش غير إن مستقبل حبيبها ابن الجنايني هيكون عظيم ..
الفيلم على الرغم من مثاليته الشديدة واختلافه الواضح عن تفاصيل الرواية إلا إنه كان بيخلق حاله من الأمل جوايا .. الإيمان بإن الحب قادر ينتصر مهما كانت الحواجز .. اليقين بإننا كلنا بشر من حقنا نعيش حياة كريمة و إن مستقبلنا احنا اللي نقدر نصنعه مهما كانت ظروفنا ومهما كان أصلنا ..
- "تحت سماء صافية واحدة وعلى أرض طيبة
واحدة عشت وإياها على مدى البصر ومع ذلك ما نظرت إليها إلا وأحسست بيننا
بهوة عميقة من اليأس وفرضتها سدود الفوارق وحوائل التقاليد" .."كم كنت واهماً حين ظننت أنني وأدتها في قلبي"
كل مرة كنت باسمع فيها صوت شكري سرحان وهو بيقول الجمل دي كنت باتوه في عالم تاني .. كنت باعيش إحساس وحالة الإنسان اللي بيحب لكن حاسس باليأس وعارف إن حبه مستحيل يبقى حقيقة وإنه اتكتب عليه يفضل مدفون بين ضلوعه بسبب فوارق غبية.. كنت باعيش إحساس إنه بعد ما يفتكر اللي بيحب إنه نسي حبيبه لكن أول ما يشوفه تتجدد كل حاجة وكأنها ما ماتتش أصلا أو اتنست .. العجيب في الجمل دي إنها وبعد كل السنين اللي اللي عدت على عرض الفيلم مازلت بتشكل أكثر الحقائق مرارة من وجهة نظري .. لكن الفرق إنه ما بقاش فيه ناس كتير بيقولوها بإحساس زي شكري سرحان يوووه أقصد زي علي عبد الواحد بطل الفيلم !!
-"ما افتكرش إن كل إنسان يعرض حياته للخطر عشان واحدة مالوش بيها أي صلة !"
"مالوش بيها أي صلة ؟َ!"
"أيوا يعني لا أنا أختك ولا قريبتك "
"هو ما فيش بين الناس صلات غير الأخوة والقرابة ؟!"
"ياريتني أعرف أقرأ أفكارك !"
"من نعم ربنا علينا إنه خلانا نقدر نخبي اللي بنفكر فيه !"
"ياريت السكة كانت أطول من كده عشان كنا نقدر نكمل كلامنا "
"فرصة تانية إن شاء الله"
"لكن انت ما بتجيش الجنينة !"
"حآجي إذا كنتِ عايزاني آجي"
"لسه بتشك في إني أحب أشوفك وأكلمك ؟!"
"أقدر أعرف ليه ؟!"
"من نعم ربنا علينا إنه خلانا نقدر نخبي اللي بنفكر فيه !"
- "وأنا كمان كنت عاوز أشوفك عشان أقولك متشكر"
"على إيه ؟!"
"لأنك ساعدتيني في دخول المدرسة الحربية .. ليه ما قلتليش يا انجي ؟!"
"لأنك دايما بترفض مساعدتي !"
"أنا في الأول كنت باعتبر مساعدتك ليا إحسان وده كان بيخليني أحس بالفرق اللي بيني وبينك"
"ودلوقت ؟"
"ودلوقت فهمت إن مساعدتك ليا اهتمام بيا مش إحسان عليا"
"اهتمام بيك بس ؟! .. اوعى تكون ما فهمتش دي كمان ؟!"
"فهمت يا انجي .. فهمت !"
"حاقولك على حاجة بايخة يا علي بس ما تتضايقش .. اوعى تنساني .. خلي الوردة دي معاك عشان تفتكرني دايما"
"هو حد ينسى نفسه يا انجي ؟َ!"
يااااااااه هو فيه حوار كده في الدنيا ؟! .. طبعا اللي بيقرأ دلوقت هيقول إيه يعني فيه إيه الحوار ده ؟ .. أنا عارفة الحوار بسيط جدا بس بالنسبة لي عميق جدا جدا ومليان مشاعر جميلة أوي أوي .. كفاية إني لما باشوفه في المشاهد بين شكري سرحان "علي" ومريم فخر الدين "انجي" باحس إن قلبي بيتخطف .. باحس بكمية صدق وبساطة وخوف وحنية وأمل .. أول مرة سمعت الحوار فهمت يعني إيه حد بيحب حد يبقى عايز يعبر عن اللي جواه بس خايف .. ويعني إيه حد يبقى بيحب حد بس كرامته عنده خط أحمر ما ينفعش يتنازل عشانها عشان الحب في عرفه ما فيهوش تنازلات .. والأهم يعني إيه حد بيحب حد بيعبر له عن مشاعره بس بطريقة ما فيهاش ابتذال أو رخص طريقة بيحافظ بيها الطرفين على كرامة وإحساس ومشاعر الطرف التاني لحسن يجرحه .. في الخلفية بيفضل دايما في قلبي إحساس الوفاء وإن أفضل وسيلة تعبر بيها عن مشاعرك لحد ممكن تتمثل في وردة صغيرة .. وردة قد تختصر مسافات كتير بينك وبين حد بتحبه قد تفرضه عليكم الظروف .. وبتختصر كلام حب كتير ممكن ما يبقاش له لازمة بعد كده أو حتى إنه يتنسي أو إنه ما يوفيش اللي بتحسه ناحية اللي قدامك زي ما قال مصطفى ابراهيم -الشاعر المفضل عندي في الوقت الحالي- : "برغم إن الكلام أصلا بينقص حاجة كل ما زاد !"
-"إنشالله دايماً عالي ..عالي المقام والقامة يا حبيبي"
الجملة دي قالتها أم علي لما جه البيت بعد نجاحه في البكالوريا (الاسم القديم للثانوية العامة المصرية) .. مجرد أم عايشة بفطرتها بكل بساطة .. فرحتها لما دخل عليها بالبدلة الميري كانت لا توصف فكرتني بفرحة أمي لما نجحت في الثانوية العامة .. وأعتقد إن أم علي لما شافت ابنها الحنين البار بيها فيما بعد في بدلته الميري حست بإن بيعها للكردان الدهب عشان هو وأخوه يكملوا تعليمهم العالي ما راحش هدر.. أم علي بشخصيتها دي بتحسسني قد إيه أمهات زمان كانوا غلابة أوي وإن حبهم لعيالهم كان مالوش حدود.. نموذج الأمهات اللي زي أم علي موجود لحد دلوقت لكن ما بقوش كتير مش عارفة ليه !! ..
-"الحقيقة يابني أنا خفت أكسفك بين زملاتك"
"ليه يا أبا"
"عشان ما أفتكرش إن حد من أهل الطلبة بيجي يزوره و هو لابس جلبية وعمة صفرا .. وأنا عارف عزة نفسك فقلت أصبر على فراقك لغاية ما تخرج ولا إنيش أعرَّك بين زملاتك"
"أنا يا أبا أستعَّر منك ؟! ده إنت عندي أكبر وأحسن من أي إنسان في الدنيا .. هو مين غيرك اللي ربانا وكبرنا وخلانا بني آدمين .. ده إنت سبب عزة نفسي يا أبا "
ده كان جزء من حوار علي مع أبوه الريس عبد الواحد في أول يوم طلع أجازة من المدرسة الحربية .. الحوار ده ومن قبله المشهد اللي بيسلم عليه فيه وأبوه اللي دراعاته مليانة بطين الأرض بيبعد إيده عنه عشان ما يوسخلوش البدلة بيأثروا فيا بشكل كبير جدا.. يمكن لأني ما بقتش باشوف دلوقت بر الوالدين مننا احنا أبناء العصر الحالي .. ولا أستثني أي حد مننا .. دلوقت بقى سهل جدا تشوف حد بيستعَّر من أهله أو بيزعق فيهم أو أو أو... وبننسى إن الأهل دول تعبوا أوي أوي عشان يكبرونا ومش مستنيين مننا أكتر من إننا نكون أشخاص كويسين وفي مركز محترم بين الناس ومبسوطين .. وبيفضل في النهاية سؤال في دماغي مالوش إجابة هو ليه نموذج الإبن البار ده اختفى من حياتنا ؟!
في الختام سيظل فيلم رد قلبي مصدراً لإلهامي ومنبع للمشاعر الإنسانية الجميلة اللي بالجأ له كل ما الدنيا تضيق في وشي حتى ولو كان لمدة ليلة واحدة .. ليلة 23 يوليو !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق