الأحد، 7 يوليو 2013

قطار العمر

‎تدوين يومي‎s Foto 

محطات .. حياتها كلها رحلة تسافر فيها بالقطار .. قطار العمر الماضي بسرعة أحياناً وببطء أحياناً أخرى .. تتذكر أول محطة وقفت فيها في انتظار أن تركب القطار .. كانت طفلة صغيرة ترتدي الزي المدرسي "المريلة الكحلي" وتتقافز هنا وهناك مرحاً.. كانت تتشوق للركوب في قطار العمر لتكبر ويصير بإمكانها ارتداء الحذاء ذو الكعب العالي ووضع مساحيق التجميل .. كانت تود أن تكبر ليكف الجميع عن قول تلك الجملة : "بس اسكتي إنتِ صغيرة وما تفهميش حاجة" .. وحين جاء القطار ركبته على عجل دون أن تعلم أن جزءاً من روحها سيغادرها حين يغادر القطار المحطة .. على الرصيف تركت ألعابها وبراءة الطفولة لتحمل لقب مراهقة في المحطة التالية .. حين ترجلت لبضع دقائق من القطار ووقفت على رصيف تلك المحطة شعرت ببعض الخواء .. لم ينقذها منه سوى نظرات عينيه الخضراوين اللتين منحتها بعض الدفء والحنان والأمل .. تبادلا الابتسام فأضاء الكون في عينيها و نبتت زهور الحب البريء في صدرها .. عاشت في خيالها حلم السندريلا و الأمير الوسيم ... لكن صافرة القطار أيقظتها من ذلك الحلم .. ترددت هذه المرة في ركوب القطار لكنها أمنت نفسها بأنها يجب عليها أن تستقله لتحقق الحلم في المحطة القادمة .. فحين تصير آنسة كبيرة كبيرة كاللواتي تراهن يحتضن كتبهن الجامعية ستصير المسافات بينهما أقرب ويتحقق حلم فستان السندريلا الأبيض .. استقلت القطار ومع مغادرته غادرها جزء آخر من روحها .. فهي لم تعلم أنها لن تراه مرة أخرى لتعيش كسيرة القلب طوال الرحلة .. 
عندما وصلت للمحطة التالية نزلت من القطار بخطوات متثاقلة .. صادفتها مرآة كانت معلقة على أحد جدران المحطة فأخذت تنظر إلى صورة وجهها على صفحة المرآة ..لم تدرِ لماذا شعرت بأن مسحة من الحزن تغلف ذلك الوجه .. أزاحت عينيها عن المرآة سريعاً لتصطدم بأطنان من الكتب ذات العناوين المختلفة .. وتلقفت أذنيها أصوات عالية ناجمة عن نقاشات بين أناس لم ترهم ولم تعرفهم من قبل .. حين أصغت إليهم لم تفهم شيئا ووجدت أن كل نقاشاتهم عبارة عن جدال فارغ وعقيم وتنظيرات على أمور لا تستحق .. لم تحب تلك المحطة وأنقذتها صافرة القطار هذه المرة لتركبه سريعا غير آسفة على ما كانت فيه .. لكن  وللمرة الثالثة مع مغادرة القطار غادرها جزء آخر من روحها، لكنه كان جزءا صغيرا لذلك لم تشعر بأي وجع لغيابه .. طالت رحلة القطار هذه المرة فاستسلمت لنوم عميق .. وأثناء نومها رأتهم .. كل من أحبتهم وتركتهم خلفها بإرادتها .. وكل من أحبتهم وغادروها هم ليركبوا قطارات أخرى غير قطارها .. ودون أن تشعر تساقطت الدموع من عينيها .. دموع حنين لأناس كانت تعلم أنها لن تراهم في أي محطة قادمة .. ودموع حزن على من تركوها تستقل القطار وحدها وهي تئن من ألم الفراق .. ثم استيقظت فزعة على صوت صافرة القطار معلنة الوصول إلى المحطة التالية .. ومع انفتاح باب القطار تلقف وجهها هواء بارد .. أخذت تنظر حولها على الرصيف فلم تر إلا الضباب المتزايد .. ومع تزايد الضباب تسرب شعور بالخوف إلى قلبها  !!

هناك تعليقان (2):

  1. ما شاء الله ..
    يبدو أنك تحبين كتابة القصص كثيراً , فأنت تعبرين عن الصور بقصص جميلة من خيالك الخصب ..

    وقد عبرت هنا عن إحدى محطات الحياة التى ينبغى أن نتوقف عندها كل فترة لنعيد ترتيبها من جديد كلما تزاحمت علينا بأحداثها ..

    وهذه إحدى محطات حياتى _ الحقيقية - التى توقفت عندها وتعلمت منها .. لعلك تجدى فيها بعض رسائل الحياة إلينا :
    http://marketingandmedia.blogspot.com/2013/06/blog-post.html

    تحياتى , وبالتوفيق إن شاء الله

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك جزيل الشكر يا أستاذ محمد على كلماتك المشجعة :-) .. وفعلا أنا أهوى كتابة القصص منذ كنت في العاشرة من عمري لكنني لم أحتفظ بموهبتي سليمة أو أنميها بل توقفت منذ زمن عن كتابة القصص ولولا بعض نسائم المشاعر الرقيقة التي تهب على حياتي من آن لآخر لكان نبع خيالي قد جف منذ زمن .. أشكرك مرة أخرى وأشكر مبادرة التدوين لمدة 365 يوم التي أعادتني إلى نفسي مرة أخرى وجعلتني أتلقى تشجيعا مثل تشجيعك :-).. دمت بود :-)
      ملاحظة : قرأت تدوينتك التي أضفتها هنا وتركت لك تعليقا عليها .. إنها حقا ونعم التدوينة :-)

      حذف