وقف يرقص ويغني ويدور فتدور معه أطراف ردائه الأبيض.. كان يبدو كالطفل الصغير تشع البراءة من بين عينيه.. وبينما هو يقف موالياً ظهره للشمس غطاه ظل كبير جداً.. التفت إليه فوجد أمامه كائن غريب يتدثر برداء أسود، يغطيه من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه.. تحرك قليلاً بعيداً عنه ليعود إلى شمسه التي يحبها وتحبه.. فتبعه ليحجبها عنه مرة أخرى ويغرقه في ظله القاتم.. فدار بينهما الحوار التالي :
- من فضلك ابتعد قليلاً ولا تحجب عني ضوء الشمس !- لا لن أبتعد !
- لماذا تفعل هذا بي ؟ ولماذا تلحقني ؟
- هكذا ! .. ليس من حقك أن تسألني عن السبب..
- لماذا ؟
- لأن قدرينا مرتبطان ببعضهما !
- وكيف هذا ؟
- كل ما تراه وتتصوره تحلم دوماً بأن يأتي في هيئتي
- هيئتك أنت؟!! .. لا لا أنت كئيب ومظلم !
- لكنك دائماً تريد أن ترى كل ما كنت تحلم به متحققاً، قادراً على أن تلمسه بيديك الاثنتين.
- أنت محق.. لكنني أريد أن أراه متحققاً بصورته الوردية التي أراها دائماً.
- لكن ليس في مقدوري أن أجعلها بتلك الصورة !
- إذن ابتعد عني ياسارق البهجة !
- ليس الأمر كما يحلو لك يا عزيزي !
- أنت كائن مقيت !
- وأنت كائن عجيب !
- حسناً لماذا لا نعقد هدنة ؟!
- وكيف ذلك ؟!
- أن تبتعد قليلاً وتتركني أنعم بشمسي التي أحبها وأغرق في تصوراتي الوردية "التي لا تعجبك".. ما رأيك؟!
- يا عزيزي ليس الأمر أن تصوراتك لا تعجبني.. لكنني محكوم بحدود إمكانياتي التي لا تصبغها عندما تتحقق إلا باللون الأسود أو الرمادي!.. على كلٍ سأتنحى قليلاً لكنني سأعود.
- لا اتركني حتى تغرب الشمس !
- حسناً لك هذا يا عزيزي.
ثم تنحى الكائن المتشح بالسواد عن طريق الكائن البريء قليلاً.. لكنه وقف يرقبه من بعيد منتظراً اللحظة التي ينقض فيها على تصوراته الوردية الطائرة.. فيثقبها كما تُثقب فقاعات الصابون الطائرة في الهواء.. وعندئذ يشعر بالنشوة وتحقيق الذات.. وبين لعب الكائن البريء الغارق في الأحلام وبين مخططات الكائن السوداوي، كانت الشمس تنظر إليهما بحسرة وحب لا حدود لهما !
روعة
ردحذفأعجبتني جدا