هناك بالقرب من السلم بالطابق الأرضي بالكلية كنت أراه يجلس هناك.. واضعاً إحدى ركبتيه تحته وممسكاً بكوب من الشاي في يده.. في الشتاء كنت أراه وهو يحكم لف الشال حول رأسه ويضم طرفي فتحة الصدر في جلبابه إلى بعضهما في محاولة بائسة لمقاومة البرد.. وفي الصيف كان يشتعل حركة ونشاط حتى إذا ما جاءت ساعة الظهيرة جلس على نفس الكرسي في نفس المكان المعتاد يدخن سيجارة في هدوء.. أحياناً كان يحضر طفلته الصغيرة لتلعب وتمرح بعض الشيء في فناء الكلية.. وكنا نحن نداعبها ونحضر لها الحلوى وهي تتمنع خجلاً وتنظر له بطرف عينها.. فنفهم الإشارة ونقول له : "ما تخليها تاخد الحاجة مننا ياعم عيسى ولا عاوزنا نزعل ؟!" .. فيبتسم ويرد قائلاً : "لأ طبعا.. خدي منهم يا فاتن".. فتأخذ الصغيرة الحلوى وتدور وهي تضحك وتحاول إحكام ربط "الطرحة" على رأسها..
اقترب عامان من المضي على رحيله.. نعم لقد فارق عم عيسى دنيانا فجأة كما دخل إلى قلوبنا فجأة.. وعم عيسى لمن لا يعلم هو أحد العمال الذين كانوا يعملون بالكلية عندنا.. كان رجلاً رقيقاً بسيطاً ومتواضعاً لكنه شديد الاعتزاز بنفسه.. مازلت أتذكر مزاح أحد الأساتذة معه حين كان يُدخل له الشاي في "مج" كبير يشبه وعاء لتناول "الشوربة".. وكان عم عيسى يرد على مزاحه بابتسامة بسيطة.. مازلت أذكر قلقه عليِّ أيام الامتحانات وكيف كان يهتم بإحضار زجاجة الماء لي خلال اللجنة.. كان يشفق عليِّ كثيراً من التوتر الذي يصيبني أثناء الإجابة والعطش الشديد الذي أشعر به في فترة الامتحانات الصيفية.. لكم كانت فعلته تلك تمس شغاف قلبي وتسعدني..
في السنة الرابعة أقمنا حفلة صغيرة في القاعة المخصصة لمحاضراتنا.. وقام حينها بمشاركتنا في الاحتفال بإلقاء كلمة بسيطة.. صارت هي الذكرى الوحيدة الباقية لنا من أيامه معنا.. كان سعيداً بنا جميعاً وأخذ يتمنى لنا التوفيق في حياتنا العملية والعلمية وأن نكون آباءً وامهاتاً صالحين سعداء.. وأعلن أنه سيفتقدنا جميعاً فهو لم يرى دفعة مترابطة ومتحابة و"عيال جدعان" مثلنا..
بعد التخرج واجهت صعوبة كبيرة في التسجيل للدراسات العليا وكنت أشعر ببعض اليأس والإحباط والوحدة لأنني لم أعد قادرة على الالتقاء برفاق الدراسة.. وحده كان يهون عليِّ بكلماته ويرى أنني سأكون ذات شأن عظيم.. أتراني سأكون حقاً؟!
حين علمنا بخبر وفاته بكى الكثير من الزملاء كما لو كنا قد فقدنا أحد والدينا.. وحين زرنا أسرته أنا وأحد الزملاء سعدت أسرته بذلك كثيراً وأخبرونا بأنه كان دائم الحديث عنا.. رحل عم عيسى وهو يكن لنا الكثير من الود ليترك في قلوبنا كل الحب والتشجيع وأحلى الذكريات.. رحمك الله يا أطيب إنسان قابلته في حياتي .. ولن أنسى صنيعك معي مدى الحياة !
اقترب عامان من المضي على رحيله.. نعم لقد فارق عم عيسى دنيانا فجأة كما دخل إلى قلوبنا فجأة.. وعم عيسى لمن لا يعلم هو أحد العمال الذين كانوا يعملون بالكلية عندنا.. كان رجلاً رقيقاً بسيطاً ومتواضعاً لكنه شديد الاعتزاز بنفسه.. مازلت أتذكر مزاح أحد الأساتذة معه حين كان يُدخل له الشاي في "مج" كبير يشبه وعاء لتناول "الشوربة".. وكان عم عيسى يرد على مزاحه بابتسامة بسيطة.. مازلت أذكر قلقه عليِّ أيام الامتحانات وكيف كان يهتم بإحضار زجاجة الماء لي خلال اللجنة.. كان يشفق عليِّ كثيراً من التوتر الذي يصيبني أثناء الإجابة والعطش الشديد الذي أشعر به في فترة الامتحانات الصيفية.. لكم كانت فعلته تلك تمس شغاف قلبي وتسعدني..
في السنة الرابعة أقمنا حفلة صغيرة في القاعة المخصصة لمحاضراتنا.. وقام حينها بمشاركتنا في الاحتفال بإلقاء كلمة بسيطة.. صارت هي الذكرى الوحيدة الباقية لنا من أيامه معنا.. كان سعيداً بنا جميعاً وأخذ يتمنى لنا التوفيق في حياتنا العملية والعلمية وأن نكون آباءً وامهاتاً صالحين سعداء.. وأعلن أنه سيفتقدنا جميعاً فهو لم يرى دفعة مترابطة ومتحابة و"عيال جدعان" مثلنا..
بعد التخرج واجهت صعوبة كبيرة في التسجيل للدراسات العليا وكنت أشعر ببعض اليأس والإحباط والوحدة لأنني لم أعد قادرة على الالتقاء برفاق الدراسة.. وحده كان يهون عليِّ بكلماته ويرى أنني سأكون ذات شأن عظيم.. أتراني سأكون حقاً؟!
حين علمنا بخبر وفاته بكى الكثير من الزملاء كما لو كنا قد فقدنا أحد والدينا.. وحين زرنا أسرته أنا وأحد الزملاء سعدت أسرته بذلك كثيراً وأخبرونا بأنه كان دائم الحديث عنا.. رحل عم عيسى وهو يكن لنا الكثير من الود ليترك في قلوبنا كل الحب والتشجيع وأحلى الذكريات.. رحمك الله يا أطيب إنسان قابلته في حياتي .. ولن أنسى صنيعك معي مدى الحياة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق