***************
لحظة
تتخيل تلك اللحظة كثيراً.. يجلسان في أحد المقاهي ليحتميا ببرودة جهاز التكييف في المقهى من نسمات أواخر الصيف شديدة الحرارة.. يتحدثان حول الكثير والكثير من الموضوعات.. تبدأ بالحديث عن حرارة الجو وأمنيات الذهاب إلى الاسكندرية التي تعشقها.. ثم ينتقل هو للحديث عن آخر مباريات فريق ريال مدريد وصعوبة تلك المباراة وسعادته بفوز الريال.. تحمد الله كثيراً على أنه مشجع للفريق الملكي فآخر ما توده هو الشجار مستقبلاً حول تشجيع الفريق الذي يفضله كلاً منهما أو نتائج مبارايات كرة القدم!
يصمتان قليلاً ثم تنبعث في الخلفية إحدى مقطوعات عازف البيانو المشهور yanni والمعروفة باسم: "The End of August".. تبتسم ابتسامة واسعة لأنها تعشق تلك المقطوعة وتهيم مع الموسيقى في عالم آخر.. فينتهز هو تلك الفرصة ليخبرها ما يود قوله منذ شهور.. يناديها باسمها ليعيدها إلى أرض الواقع ثم يواجهها بنظرة عاشق أعياه الحب والانتظار..وقبل أن ترد عليه ينطق تلك الكلمة التي تعذب بكتمانها طويلاً : "بحبك !".
تصمت وتبتسم في سعادة وفخر من انتصر أخيراً في المعركة.. تقول له : "ما أنا عارفة.. بس كان لازم أسيبك كده لحد ما تنطقها يا أبو الهول !".. عندها يضحكان سوياً ويمسك يدها ليلثم أطرافها بشفتيه.. تسحب يدها سريعاً وتخفض عينيها في خجل.. وعندما تعود لترفع عينيها مرة أخرى تجده ينظر إليها مباشرةً وهو يقول : "من هنا ورايح إنتِ ملكي أنا وبس.. بكرة هيبقى لنا بيت يجمعنا وهنعمل فيه كل حاجة مع بعض.. هنطبخ سوا ونتفرج عالأفلام وماتشات الكورة سوا.. مش هاسيبك تسمعي ولا أغنية بعد كده لوحدك وكل كتاب هاقراه لازم تقريه.. وهتبطلي تعارضيني بقى وتقوليلي بطل فلسفة.. وولادنا هيبقوا شبهنا في كل حاجة.. هنخليهم يعملوا كل الحاجات اللي بنحبها ونبقى معاهم خطوة بخطوة".. يقاطع حديثه مجيء النادل بطلبهما فيصمت قليلا ثم يستطرد بعد رحيله قائلاً:
"عارفة .. أنا مش هاخلي لحظة تفوت وتبقي فيها لوحدك هابقى ملازمك زي ضلك.. مش هاسمحلك تعملي أي حاجة من غيري ولا حتى تتعرفي على ناس جديدة من غير ما أتعرف عليهم أنا كمان.. تخيلي كده واحنا في بيتنا وتكون آخر عيون تشوفيهم قبل ما تنامي هما عيوني.. إحساس حلو مش كده ؟!"
صمتت طويلاً وبدا القلق على ملامحها.. كلامه كان يحمل الكثير من مظاهر الحب التي تتمناها بشدة لكن... بين ثنايا كلامه كان هناك قيد حريري تشعر بأنه يقترب ليخنقها.. هي تريده بجوارها جداً لكنها تريد أن تظل مساحة الحرية بينهما شاسعة.. ثم لماذا الحديث عن الأولاد وإجبارهم على أداء نفس ما كانا يفعلانه ؟!.. يناديها من جديد لتعقب على كلامه لكنها لا ترد.. تمد يدها لتمسك بكفه الكبير.. تضغط على كفه وتقربه من قلبها ثم ترفعه لتلثم أطرافه كما فعل.. تترك كفه بعدها وتتناول حقيبتها من فوق الطاولة قائلة : "أنا لازم أمشي !".. لا تنتظر أن يعقب على كلامها وتهرول في اتجاه باب المقهى دون أن تلتفت لنداءاته لها.. تخرج إلى الشارع وتبدأ قدميها بالركض وعيناها بالبكاء دونما توقف !!
************************
* غادة محمود : من مواليد 1984 وخريجة كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية لعام 2004. محررة ومترجمة ولها مدونة على الانترنت تحمل اسم : "مع نفسي". صاحبة كتاب "اما هذه فرقصتي أنا" الصادر ضمن سلسلة مدون @الشروق وهي سلسلة أصدرتها دار الشروق للمدونات العربية المتميزة.
** العنوان مقتبس عن نفس عنوان تدوينة الأستاذة غادة محمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق