‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات في حياتنا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات في حياتنا. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

عم عيسى

هناك بالقرب من السلم بالطابق الأرضي بالكلية كنت أراه يجلس هناك.. واضعاً إحدى ركبتيه تحته وممسكاً بكوب من الشاي في يده.. في الشتاء كنت أراه وهو يحكم لف الشال حول رأسه ويضم طرفي فتحة الصدر في جلبابه إلى بعضهما في محاولة بائسة لمقاومة البرد.. وفي الصيف كان يشتعل حركة ونشاط حتى إذا ما جاءت ساعة الظهيرة جلس على نفس الكرسي في نفس المكان المعتاد يدخن سيجارة في هدوء.. أحياناً كان يحضر طفلته الصغيرة لتلعب وتمرح بعض الشيء في فناء الكلية.. وكنا نحن نداعبها ونحضر لها الحلوى وهي تتمنع خجلاً وتنظر له بطرف عينها.. فنفهم الإشارة ونقول له : "ما تخليها تاخد الحاجة مننا ياعم عيسى ولا عاوزنا نزعل ؟!" .. فيبتسم ويرد قائلاً : "لأ طبعا.. خدي منهم يا فاتن".. فتأخذ الصغيرة الحلوى وتدور وهي تضحك وتحاول إحكام ربط "الطرحة" على رأسها..
اقترب عامان من المضي على رحيله.. نعم لقد فارق عم عيسى دنيانا فجأة كما دخل إلى قلوبنا فجأة.. وعم عيسى لمن لا يعلم هو أحد العمال الذين كانوا يعملون بالكلية عندنا.. كان رجلاً رقيقاً بسيطاً ومتواضعاً لكنه شديد الاعتزاز بنفسه.. مازلت أتذكر مزاح أحد الأساتذة معه حين كان يُدخل له الشاي في "مج" كبير يشبه وعاء لتناول "الشوربة".. وكان عم عيسى يرد على مزاحه بابتسامة بسيطة.. مازلت أذكر قلقه عليِّ أيام الامتحانات وكيف كان يهتم بإحضار زجاجة الماء لي خلال اللجنة.. كان يشفق عليِّ كثيراً من التوتر الذي يصيبني أثناء الإجابة والعطش الشديد الذي أشعر به في فترة الامتحانات الصيفية.. لكم كانت فعلته تلك تمس شغاف قلبي وتسعدني..
في السنة الرابعة أقمنا حفلة صغيرة في القاعة المخصصة لمحاضراتنا.. وقام حينها بمشاركتنا في الاحتفال بإلقاء كلمة بسيطة.. صارت هي الذكرى الوحيدة الباقية لنا من أيامه معنا.. كان سعيداً بنا جميعاً وأخذ يتمنى لنا التوفيق في حياتنا العملية والعلمية وأن نكون آباءً وامهاتاً صالحين سعداء.. وأعلن أنه سيفتقدنا جميعاً فهو لم يرى دفعة مترابطة ومتحابة و"عيال جدعان" مثلنا..
بعد التخرج واجهت صعوبة كبيرة في التسجيل للدراسات العليا وكنت أشعر ببعض اليأس والإحباط والوحدة لأنني لم أعد قادرة على الالتقاء برفاق الدراسة.. وحده كان يهون عليِّ بكلماته ويرى أنني سأكون ذات شأن عظيم.. أتراني سأكون حقاً؟!
حين علمنا بخبر وفاته بكى الكثير من الزملاء كما لو كنا قد فقدنا أحد والدينا.. وحين زرنا أسرته أنا وأحد الزملاء سعدت أسرته بذلك كثيراً وأخبرونا بأنه كان دائم الحديث عنا.. رحل عم عيسى وهو يكن لنا الكثير من الود ليترك في قلوبنا كل الحب والتشجيع وأحلى الذكريات.. رحمك الله يا أطيب إنسان قابلته في حياتي .. ولن أنسى صنيعك معي مدى الحياة !  

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

أمومة مبكرة

" كانت كل المدة اللي قعدت فيها معاهم هي تلات شهور ...تلات شهور بدأتهم بسؤال أنا باعمل إيه في المكان ده .. ده مش مكاني انا عاوزة أمشي .. انا مش هاعرف أشتغل هنا .. تلات شهور اتحطيت فيهم في اختبار إزاي هاتعامل مع كائنات صغيرة الحرف مني ممكن يطلعهم فوق سابع سما أو ينزلهم تحت لسابع أرض .. تلات شهور ربنا رزقني فيهم بما يقرب من 60 طفل كنت مسئولة عنهم مسئولية كبيرة ..تلات شهور عشت فيهم فعلا إحساس الحب الأمومة والطفولة معاهم ..تلات شهور سبت أثر طيب في نفوسهم وحب كبير في قلوبهم.. تلات شهور علمتهم فيها حاجات أرجو من الله ولا شيء يكتر ولا يصعب عليه إنهم يكونوا في ميزان حسناتي يوم العرض عليه .. تلات شهور غرست فيهم بذور في أرض طيبة يمكن ما أقدرش أشوف نتاجها في المستقبل البعيد لكن ربنا أكرمني وقدرت أشوف شوية عيدان ريحان صغيرة طالعة وسط كوم بلاوي بيحاربوا على قدهم بس هينجحوا إن شاء الله ... كانت كل المدة تلات شهور بس كانت بالنسبة لي عمر طويل..
والنهاردة وبعد ما عدت سنة و شهرين شفت ابني "معتز" الطالب بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة كفر المنصورة التجريبية للغات هو اللي جري عليا و افتكرني وحسسني بحاجات حلوة في وقت انا كنت محتاجة لده جدا ...وبناء عليه أنا مبسوطة"** 

------------------------------
طول الوقت كان أصحابي بيقولوا عليا إني زي مامتهم.. بحبهم وباخاف عليهم وباعاملهم معاملة الأمهات مش الأصحاب.. لكن أنا عمري ما حسيت بشعور الأمومة ده غير مع "ولادي" اللي درستهم لما اشتغلت مدرسة لفترة قصيرة.. إزاي تحب من غير ما تفرق في المعاملة فعلاً.. إزاي تشجع كائن صغير على إنه يحلم ويطور من نفسه.. إزاي تعلمه يحب نفسه واللي حواليه.. إزاي تخاف على كائن صغير عنده يادوب 9 سنين العالم بالنسبة له حاجة كبيرة أوي من غير ما تقيد حريته بخوفك ده.. إحساسك لما يجيلك الكائن الصغير - أو الكائنة الصغيرة مهو الفصلين كان فيهم بنات طبعاً- وهو متعور ولا بيعيط ولا خايف وتلاقي قلبك وقع في رجلك من الخضة والقلق، وتفضل تحاول تهدي فيه وتطمنه وتطبطب عليه/عليها.. كل ده ولادي علمهوني أعمله إزاي لأ وأعمله صح كمان..
بس أكتر حاجة عمري أثرت فيا وفيهم هي "الحضن".. اكتشفت إن الكائنات دي محتاجة للحب أوي وإنهم بيعانوا من قلة فعل الاحتضان.. بمعنى إن أهاليهم ما بيحضنوهمش بالشكل الكافي.. مجرد حضن واحد كنت أديه لولد ولا بنت كان بيحسسهم بالأمان والسعادة.. بيحس بيه إنه إنسان أو إنسانة مقبولين في الدنيا.. يعني مش بتعاقبه ولا بتستبعده بسبب شقاوته أو بتلومه بشكل مستمر عشان مش جايب درجات حلوة ومتفوق.. مجرد طفل صغير حاسس طول الوقت إنه محتاجلك.. وعلى قد ما كان الحضن بيسعدهم على قد ما كان بيسعدني أنا أكتر .. كل مرة كنت باحضنهم كنت باحس إن جزء من وجعي بيخف.. وبيه كنت باسترد جزء من براءتي اللي الزمن بيصر دايماً إنه يسرقها مني كل ما أكبر ..
والحقيقة الأهم - واللي هتفيدني أكتر لما أبقى أم لأطفال من دمي- هي إن الولاد  محتاجين إنك دايماً تقولهم كلام حلو إيجابي يعزز من ثقتهم بنفسهم حتى لو هو مش فيهم.. البنات الصغيرة محتاجة طول الوقت حد يقولهم إنهم شكلهم جميل حتى لو كانوا وحشين. أما الولاد فمحتاجين دايماً حد يحسسهم إنهم قادرين يتصرفوا يعني رجالة رغم صِغر سنهم.. ياريت أهالينا يقدروا يفهموا الكلام ده فعلاً ويطبقوه.. وأخيراً العقاب الجسدي عمره ما بيجيب نتيجة في التربية ولا التعليم !!
وعلى الرغم إني سبت التدريس والمدرسة على قد ما أنا لسه شايلة ولادي جوا قلبي وهما كمان.. وعمري ما هاقدر أنسى اللي علموهوني والتغيير اللي أضافوه على شخصيتي.. بناتي وأبنائي الأعزاء شكراً لكم وتأكدوا إني هافضل أحبكم طول عمري.. وهتفضلوا الحب الأول في حياتي مهما خلفت من عيال بعد كده !!
-----------------
** البوست المكتوب في البداية نشرته على صفحتي على الفيس بوك بتاريخ 3/5/2013 
 

أرواح طيبة

مفتتح :
سلام على أرواح طيبة قدرت قيمة العلم واستوعبت في داخلها أرواح الأطفال البريئة.
----------------
عزيزي أستاذ عاطف..
تحية طيبة وبعد..
أرسل إليك هذه الرسالة وأنا أعلم أنك لن تقرأها لأنك الآن في عالم آخر أرقى وأجمل من عالمنا الأرضي اللعين.. كنت أود أن أحكي لكَ مضمون هذه الرسالة وجهاً لوجه.. وأن ألتقيك فترى تلميذتك التي علمتها في حنو وحزم في نفس الوقت كيف صارت الآن..
أستاذي العزيز.. أتذكر الواقعة التي وبخني فيها والدي بشدة وكاد يعاقبني بالضرب لأنني زورت توقيعه في دفتر الإملاء الخاص بمادة اللغة الانجليزية ؟! أتذكر كيف وقفت له ومنعته من أن يمسني بسوء وقلت له بأنني لن أفعل ذلك مرة أخرى ؟! .. أتذكر كيف أنبتني في رفق ولم تقلل من شأني أو تهينني وتهول من حجم فعلتي آنذاك؟!.. لست أدري إن كنتَ تذكر ذلك أم لا لكن قلبي يخبرني بأن تلك الواقعة مازالت تحتفظ لها بركن صغير داخل زوايا عقلك.. كنت أنت أول مدرس خصوصي يقوم بتدريسي مادة اللغة الانجليزية، التي كنت فاشلة جداً فيها وأنا صغيرة.. من كان يتصور أن تلك الصبية الغبية التي كانت تعنفها معلمة اللغة الانجليزية في الفصل دائماً وأبداً، سوف تدخل كلية الألسن وتدرس اللغة الانجليزية إلى جانب الألمانية.. تلك الصبية التي كانت تكره اللغات كثيراً بما فيها لغتها الأم.. لكنك كنت أول من علمها بشكل صحيح وأول من وثق بها ودفعها للأمام فجعلتها تحب الانجليزية كثيراً.. 
أستاذي العزيز أتذكرك كثيراً هذه الأيام.. وقد رأيتك ذات مرة في حلمي بأنك ترتدي ثوب ناصع البياض.. كنت أبكي أمامك وأقول لماذا أخبروني بأنك مت ؟!.. قلت لي بأنك بخير وبأنك تعيش في أفضل مكان.. عندما استيقظت ودموعي على وجنتي تذكرت أنك حقاً غادرت عالمنا إلى غير رجعة فقد توفيت بالسرطان.. من حسن حظي أني لم أشهد عذابك لأنني بالتأكيد لم أكن لأحتمله.. لكنني وبرغم سعادتي بالحلم إلا أنني شعرت بقبضة ألم تعتصر قلبي..
أستاذي العزيز أفتقدك بشدة وأفتقد تشجيعك ومزاحك معي.. لكنني أود أن أخبرك بأنني لن أنساك يوماً ولن أنسى فضلك عليِّ ما حييت.. أدعو الله أن يتغمدك بواسع رحمته ويجعلك في تلك المكانة الجميلة التي رأيتك فيها أثناء حلمي..
أستاذي العزيز في الختام أرجو أن تزورني مرة أخرى فلدي من الحكايات الكثيرة التي أود أن أرويها لك حول اللغة الانجليزية وما فعلته بي .. وكيف أنني مازلت أحبها وسأظل أحبها بسببك مدى الحياة..
كن بخير دائماً..
تلميذتك / أسماء