الاثنين، 3 فبراير 2014

النبتة والبستاني

فوق التربة الجافة استلقت بهدوء.. هي التي قضت لحظات احتضارها الأخيرة وهي تئن من العطش.. أما هو فوقف أمامها يبكي بدموع حارة.. لكنها كانت تتعذب أكثر وأكثر كلما سقطت فوقها دموعه تلك.. فبدلاً من أن تنقذها من الجفاف وترويها، كانت تلهب ريقها لشدة ملوحتها.. وبدلاً من أن تشعرها دموعه تلك بالشفقة أو التعاطف زادتها حنقاً عليه.. لقد كان يملك الماء العذب الذي يمكنه أن يروي به عطشها ذاك، لكنه تراخى في إحضاره.. كان يقف على بعد خطوات من بئر الماء العذب لكنه لم يتحرك قيد أنملة تجاهه.. أخذت تتضرع إليه وتناشده بأن يسقيها، وهو لا يرد عليها سوى بالتمتمة والعَبرات.. فهمت من بين تمتماته أنه يخشى النزول في البئر لأنه مليء بالأفاعي.. كما أن البئر عميق جداً وهو لا يدري أهناك ماء بالفعل أم لا.. وأضاف بأنه حتى لو كان هناك ماء فكيف سيتفادى الأفاعي الموجودة هبوطاً وصعوداً.. 
ردت من بين أناتها بفكرة البحث عن دلو يدنيه إلى البئر ويسقيها به.. لكنه أخبرها بأن هناك دلو بالفعل، لكنه يحتاج إلى الإصلاح وهو لا يملك الأدوات اللازمة لذلك.. وحتى الحبل الموجود بجوار البئر مهترئ تماماً بما يؤكد حتمية سقوط الدلو إلى أعماق البئر دون عودة !.. أخذت تبكي وتندب حظها مرتين.. مرة لأنه جعلها تنبت في تلك الأرض الجرداء.. لكن هل كان ذنبها أنها حاولت تحدي المستحيل وتسلحت بالأمل وحب الحياة؟!.. أما الثانية فكانت بسبب أن نجاتها توقفت على البستاني الخطأ.. ذلك البستاني العاجز، الذي نسي أنه هو من رمى بذورها في قلب تلك التربة الجافة.. هو الذي جلبها إلى الحياة وفي نفس الوقت سيودي بها إلى الهلاك.. ناشدته في لحظاتها الأخيرة بأن يتصرف وينقذها.. فليبحث حوله عن أي قطرات ترويها.. لكنه بقي واقفاً غارقاً في عبراته.. صرخت فيه لم لا تحاول أن تفعل شيئاً؟! هل ستكون سعيداً بموتي؟!.. كانت تتمنى لو أن يغامر وينزل إلى البئر ليرويها.. على الأقل سيؤكد لها بأنه لم يكن يقصد تعذيبها.. وستصدق بأنه مستعد للتضحية بحياته لأجلها، وأنه لم يجلبها إلى هذا العالم هباءً.. هي لم تكن تريد موته، بل كانت تريده أن يستخدم ذكائه ولو لمرة واحدة.. كانت تريده أن يقاوم.. أن يحارب في سبيل ألا تفنى كما وعدها، حين همس لها وهو يلقيها في التربة :  سأحميكِ من كل الأخطار مهما كلفني الأمر حتى يتحقق حلمي وأراكِ ملكة هذه الأرض.. فوحدك من سيجلب لها الخير..   
كانت تفهم سبب مخاوفه لكنها غير قادرة على تقبل عجزه، وغير قادرة على مسامحته على خذلانه لها.. وفي النهاية ماتت النبتة المسكينة بين يدي بستانيها، تاركة إياه غارقاً في الحسرة.. تلك الحسرة التي صنعها بنفسه وستبقى لتعذبه أبد الدهر !!

هناك 3 تعليقات:

  1. يا الله
    حلوة
    وحلوة اووي كمان
    اسقاط علي حاجات كتييييييييير

    ردحذف
  2. هذا فى صلب الموضوع يا عزيزتى! الحياة لمن يمتلكون معدلات عالية من الأدرينالين...

    ردحذف