الخميس، 20 فبراير 2014

البائس الغامض

بين الضباب سمعت صوت جلبة قادمة من بعيد..
اقتربت قليلاً فأخذ وقع الصوت يزداد والضباب ينحسر بعض الشيء..
وأخيراً وجدت أمامي مشهد لشخص يتجاذب ذراعيه جماعتين من الناس..
وبسؤاله عن السبب أجاب قائلاً:
اسمي فرانس كافكا.. وهؤلاء هما قومي يتنازعون على ملكيتي بالرغم من أنني لست ملكاً لأحد..
سألته مرة أخرى عن سبب ذلك متعجبة مما يحدث !..
قال : أنا من أصول تشيكية.. ولدت في براغ وعشت وعائلتي فترة طفولتي فيها.. لكنني أحببت اللغة الألمانية وكانت هي لغتي التي أكتب وأتحدث بها.. ولهذا شعرت بها تفصلني عن سكان بلدي التشيك.. كنت أشعر بالغربة في كل شيء.. لهذا أيضاً أعتبر نفسي ضيفاً على اللغة الألمانية.. وهم إلى الآن وحتى بعد رحيلي عن الدنيا يأبون أن يتركوا روحي تحيا بسلام فيتنازعون ملكيتي - وأعني هنا ملكية أعمالي - لينسبوها إلى أدبهم.. فتارة يقول التشيكيون أن ما كتبته ينتمي إلى أدبهم وتارة يقول الألمان أن أعمالي تنسب إلى أدبهم.. وأنا بين هؤلاء وأولئك أقف حائراً وضائعاً وحانقاً.. فالأدب لا يجب أن تكون له هوية .. لأنه كُتب عن الناس ولأجل كل الناس!!
هنا بادرته بالسؤال : هل ضايقتك أصولك اليهودية يوماً؟!
رد : نعم وإلى الآن ما زالت تضايقني من بعض بني عالمكم العربي، الذين يخلطون الدين بالسياسة بالأدب ولهذا لن يتقدموا مهما حصل.. إنني مغتاظ من هذا بشدة.. أفلا يكفيني ما فعله هتلر بي وبكتبي حين حرقها عام 1933 ليأتي العالم اليوم ويحكم علي بسبب معتقدي .. إن هذا لهو قمة العبث !!
أرد أن أحول مجرى الحديث قليلاً فسألته: 
إلى من تعزو الفضل في إلهامك بما كتبت؟ وهل أنت حزين أو متضايق لأن صديقك خالف وصيتك ونشر أعمالك بعد موتك ولم يحرقها كما طلبت؟!
أجاب قائلا: 
إن أبي هو صاحب الفضل الأول في شعوري بالضياع.. لقد زرع بداخلي كل التناقضات الموجودة في العالم وبسببه عشت بنفسية مرتبكة ومدمرة أحياناً.. علاقتي به كانت عجيبة.. فأنا أحببته وأعجبت به لأنه إنسان عصامي بدأ من أول خط الفقر حتى صار تاجراً غنياً.. لكنني كنت أستغرب كثيراً علاقته بأمي وإخضاعه لها وهي ذات المكانة الرفيعة.. لكن يمكنني أن أوجز لكِ بأنه لولاه لما استطعت أن أكتب بهذا الشكل!
أما عن مخالفة صديقي لوصيتي فيمكنني القول أنني كنت حانقاً عليه في البداية لكنني فرحت بعد ذلك فلولاه لما عرفني العالم ولا عرفته !!
قلت له : وماذا عن المرض ؟!
فقال : هو العذاب الأكبر الذي حرمني من بهجة الحياة والحب!!
عند هذا الحد شعرت بالأسى والرثاء لحاله وقررت الانصراف تاركةً إياه في معمعة الشجار حوله.. ترى هل يمكن أن ينتهي هذا الشجار يوماً؟!!!

هناك تعليقان (2):

  1. جميل أوجزت حياة القاص والروائي فرانس كفاكا بإيجاز، بل وحددت معاناته قبل موته وبعد موته أيضا.
    أعتقد أن الشجار يورث ومن الصعب ان ينتهي خاصة لو كان كل فريق يرى أن انتساب هذا الأديب له مفخرة.

    ردحذف
  2. عجبتني اووي يا اسما د
    وقرأتها امبارح بس الكهربة عملت معايا الدنيئة وقطعت وده بعد ما كنت كاتبة تعليق حلو :_@

    ردحذف