الأربعاء، 5 فبراير 2014

حوار مع الموسيقى (المزيكا)

مفتتح
هي الرفيقة الوحيدة الأكثر إخلاصاً لي.. أشكرك من كل قلبي لأنك هنا دائماً
إهداء إلى المزيكا التي أحبها
-----------------------------------------
مع تغريدات الصباح تتسلل إلى هامسة في أذني: استيقظي.. 
فأفتح عيناي لأجدها أمامي تتجلى في صورة نغمات شرقية مرافقة لصوت جارة القمر فيروز وهي تغني "غالي الدهب غالي وضحكت عناقيده.. عالي الورد عالي وشو طالع بإيده".. أجلس على السرير متكاسلة بعض الشيء ثم أحييها قائلة : صباح الخير 
فترد: صباح الياسمين.. هيا بنا فأمامنا رحلة شاقة
- ألا يمكنني أن أعود إلى النوم؟!
- لا فقد حان موعد رقصة العمل.. تحركي بخفة ودوري في أركان الغرفة وكما تسللت إليك بخفة تسللي إلى ثيابك وتعطري وتأنقي فأنا أريدك رائعة الجمال..
- لا أقدر ففي روحي ثقب كبير واسع لم تستطع أن تداويه الأحلام.
- وأين ذهبت أنا؟!.. فقط أمسكي بيدي وأنت تقومين بخطوات الاستعداد، وسأمنحك كل القوة التي تحتاجينها والنشاط اللازم لبداية المعركة اليومية.. 
- لكنني أمقت المكان الذي سأذهب للعمل به، وأمقت أولئك الأشخاص الموجودين فيه..
- وهل ظننت أني أغفل عن شعورك ذاك.. لا تقلقي سأحيطك بجناحاي الرقيقان وسأعزلك عن ذلك العالم البغيض.. فقط هيا حتى لا نتأخر..
- حسناً.
أنتهي من ارتداء ثيابي والتأنق وأهبط إلى الشارع فتصرعني أبواق السيارات والزحام.. أتأفف فأجدها تهتف داخل أذني بكلمات فريق وسط البلد : "شمس النهار هتجيني.. هتغني وتصحيني غنوة أمل وحياة ولا عمري سمعتها.. مع أول شوق هاروق وهاشوف حاجات كتير.. ما شفتش زيها"
ثم كلمات فريق كايروكي : "كل يوم ممكن يكون بداية .. وخيالك دايما مالوش نهاية.. دايماً فيه جديد"..
فأشعر بأننا نتراقص وأنها جعلتني أطير لا أمشي على قدمي في الشارع..
أصل إلى العمل وأدلف إلى المكتب فتطالعني الوجوه الرتيبة الكئيبة ذاتها.. أجلس في حنق وضيق وقد تبخرت شحنة الإيجابية التي بثتها في داخلي وأتساءل أين تراها ذهبت؟!.. فأكتشف أنني قد خفضت حدة صوتها داخل أذناي بيدي هاتين.. فأغضب من نفسي وأعتذر لها..
- سامحيني تركتك هكذا بدون استئذان .. بل وكانت جريمتي أكبر لأنني كتمت صوتك اللطيف..
- لا تقلقي أنا لم أتضايق على الإطلاق وأتفهم الأمر تماماً.. فهم يحتاجون إلى تركيزك بعض الشيء .. ويحتاجون لتحية صباحية منك ترافقها الابتسامة.. وتذكري أنك حين تبتسمين تكونين أجمل مخلوقة على الإطلاق..
أبتسم بيني وبين نفسي فتظهر الابتسامة على وجهي فيبتسم الجميع من أمامي..
أقول لها : وماذا الآن ؟!
ترد : هيا إلى كوب القهوة الصباحية وسأكون رفيقتكما فأحول العالم من حولك إلى جنة..
وتدور عقارب الساعة مع النغمات التي ترسلها إلي حتى يحين موعد الانصراف.. وعلى البوابة التي تفصل بيني وبين الشارع تقول لي : هيا معي سأجعلك تقابلين أناس جدد ينسونك كل ما صادفته من ضيق خلال اليوم.. 
أسألها : من يا ترى سنقابل ؟!
فتجيب : سنحتسي الشاي مع عمر خيرت وجهاد عقل وعمر خورشيد وياسر عبد الرحمن..
فأصفق في جذل كالأطفال وأمسك بيدها لتقودني حيث اللقاء.. وما كان اللقاء سوى مشهد خيالي في رأسي تشكل لوحته هي بنغمات كل أولئك المبدعين.. لكن أروع ما فيه أنها تمكنت من جعلي أنسى كل مظاهر القبح والضوضاء التي أجدها في طريقي إلى المنزل..
وقبيل المغرب نجلس أنا وهي معاً لنحتسي القهوة الفرنسية التي نعشقها أنا وهي في هدوء.. أقول لها : بي من الحنين ما يزيد الثقب الموجود بداخل روحي.. ترى ماذا أفعل ؟!
تربت على كتفي وتحتضنني وتهمس في أذني بكلمات منير "ربك لما يريد أحلامنا هتتحقق وكلامنا حيتصدق والغايب حيعود" ..
وعندما يهبط سواد الليل تصيح في نشاط : هيا بنا لنرقص !
أرد في حيرة : لكنني لا أعرف الرقص !!
فتقول: لا تشغلي بالك فقط ضعي كفك في كفي ويدك الأخرى على كتفي وأنا سأطوق خصرك وأقوم بمهمة السيد الأنيق الذي سيطلبك للرقص..
أضحك في خجل، فتعقب : لا مجال هنا للخجل.. يوماً ما سيكون هو حقيقة وسأكون إلى جوارك أمنحك لحظاتك كل الجنون والرومانسية التي تحبينها.. وتردف : هيا هيا لا تضيعي الوقت... ثم تنحني أمامي وتقول : هل تسمح لي أميرتي بهذه الرقصة؟!
فأجيب باسمة: بالطبع ..
فيدور في الخلفية مزيج موسيقي رائع بين نغمات السالسا والتانجو فنظل نرقص حتى أهتف بها: يكفي لقد تعبت.. أنا لست بخفتك ولا نشاطك.. فترد علي قائلة : عندما تزيلين كل تلك الهموم من قلبك ومن فوق كتفيكِ ستكونين مثلي.. أقول لها : أرجوكِ لا تتركيني حتى أصير مثلك.. فترد : ومن قال لك أننا سأتركك يوماً.. أنتِ رفيقتي وصغيرتي وحبيبتي.. أنت وحدك من يمنحني الحياة.. ومن بريق عينيك أستمد القوة والنشاط..
 أقول لها: بل أنت كل الحياة بالنسبة لي.. فتبتسم في سرور.. لكنها تختفي سريعاً حين تطلبني أمي وتقول لي بأن علينا الخروج لقضاء بعض الأمور..
أرتدي ثيابي على عجل ثم ننزل أنا وأمي إلى الشارع.. وفي لحظات تنجح أبواق السيارات وأصوات الباعة الجائلين وضوضاء السائرين في الشارع في تحويلي لكائن عصبي المزاج وأبدأ بالتذمر والسباب إذا اقترب مني أحد أو رأيت تصرفاً سيئاً من السائقين في الشارع.. تهتف في أذني : اهدئي.. إنك بذلك تمنحينهم الفرصة لقتلك بدم بارد وهم في النهاية لن يكترثوا لأمر حياتك أو مماتك.. ارفقي بنفسك .. 
فأقول لها: وماذا أفعل ؟ .. تقول لي : الآن يحين دور جنية الموسيقى الطيبة.. وفجأة تنبعث في أذناي قائمة بأغاني المفضلة لدين مارتن وسيناترا ودوريس داي ونات كينج كول وإيديث بياف وكثيرين .. ليتحول المشهد أمامي من مجرد سير في شارع يضج بأشخاص مزعجين إلى حديقة غناء أسير فيها وحدي بهدوء.. وأنسى عندها كل ما يمكن أن يكون قد تسبب بمضايقتي..
وعند العودة للمنزل أقول لها : أشعر بأن بداخلي طاقة رهيبة تريد الخروج.. فتقول لي: إن حلك الوحيد بأن ترقصي وحدك هذه المرة على نغمات الروك آند رول أو على إيقاعات شرقية.. أقول لها : معك حق، ثم أغمز لها بطرف عيني وأعقب : لكنني لكن أفعل هذا وحدي.. فتغرق في الضحك، ونبدأ فقرة راقصة على نغمات شرقية غربية حتى ينهكنا التعب.. 
هنا تقول : حان موعد النوم يا صغيرة.. أقول لها: لا أريد .. فتمسك بيدي وتقودني إلى السرير هامسة في أذني بكلمات فيروز : "يلا تنام يلا تنام.. أضحك على أسما تتنام".. أبتسم لحركتها المتمثلة في نطق اسمي بدلاً من اسم ريما الذي من المفترض أن يكون في الأغنية.. وما هي إلا لحظات حتى أغرق في النوم..
لكنني أراها في الحلم .. فأركض نحوها وأقول : لم أشبع منك .. لم أكتشف كل العالم كما وعدتني.. فترد وتقول : لا تقلقي فغداً يوم آخر.. وسأصحبك عبر السلم الموسيقي إلى أماكن لم تخطرعلى فكر بشر.. وسنلتقي بمبدعين كثيرين.. مثلك تماماً.. رقة الإحساس والصدق هي أهم ما يميزهم..  
أقول لها : أأعتبر هذا وعداً جديداً ستنفذينه ولن تخلفيه؟!.. ترد : بالطبع .. فرحلتنا وصحبتنا ستظل مستمرة حتى انطفاء آخر شمعات عمرك.. فقط عليكِ أن تصدقي بي وتؤمني بوعدي.. فأنا وحدي من سأظل مخلصة لك أبد الدهر.. 
 أتمتم والنعاس يغلبني داخل حلمي : صدقت !!     

هناك تعليق واحد: