مشاعر مجسدة !
قد يبدو عنوان هذه التدوينة غريباً بعض الشيء.. فمن المعروف أن المشاعر لا تكون مجسدة وإنما محسوسة.. لكن هذا ما أشعر به حين أشاهد بعض الأفلام (وأعني هنا أفلام الكارتون) !.. ففي الأفلام العادية قد يتكفل الممثل أو الممثلة بتعبيرات وجههم وإيماءاتهم وحركات أجسادهم بإيصال الشعور المطلوب من المشهد.. فإذا كانت مقتضيات الموقف التمثيلي تتطلب مني أن أحزن، شاهدت على الشاشة دموع البطل أو البطلة، ارتخاء أو تهدل أعضاء معينة من أجسامهم، أو تعبيرات الوجه كارتجاف الشفتين مثلاً... وإذا كان الموقف يستدعي مني شعور الفرح، حفزتني اللمعة في أعين الممثلين، انبساط عضلات الوجه، الابتسامة أو الضحكة، وما إلى ذلك من تعبيرات الوجه والجسد القادرة على تسريب شعور الفرح إلى نفسي... وهكذا الأمر مع مواقف الغضب أو الحب وغيرها من المشاعر الإنسانية..
لكن أفلام الكارتون أمر مختلف.. فبرغم أن التقنيات العالية في عالم "الرسوم المتحركة Animation" قد نجحت في جعل الشخصيات الكارتونية تقوم بنفس التعبيرات الجسدية وإيماءات الوجه التي يؤديها البشر في المواقف المختلفة، إلا أنه ليس من السهل أن تصلك الجرعة الشعورية المطلوب نقلها للمُشاهد -بالتحديد للأطفال- من خلال الفيلم.. إنه لأمرٌ صعب أن تُقنع طفلاً بأن يفرح أو يحزن لمجرد مشاهدته للصورة المتحركة أمامه، فما بالك لو كان المُشاهد شخصاً بالغاً؟!..
هنا يأتي دور الصوت.. وحدها أصوات الممثلين هي القادرة على جعلك تشعر بالغضب أو الهدوء أو الحماس أو الفرح أو الحزن.. ولهذا أعشق أفلام الكارتون وأعتبر أن الممثل المبدع حقاً هو من ينجح في أداء دوراً في فيلم كارتوني.. وإلى هذه اللحظة لا أفهم كيف تستطيع نبرة صوت عالية أو منخفضة أن تحلق بي بعيداً عن الأرض!!.. كيف يمكنني أن أرى شعور الحماس يتقافز أمام عيني من مجرد صوت ينبعث من شفتين لكيان جامد؟!.. أو كيف يمكنني أن أجد شعور الخوف - الصادر من أصوات بثتها حنجرة فأر كارتوني مرسوم بحرفية على الشاشة - ينزوي أمامي في أحد الأركان مجسداً رعب الفأر من أن يتم اصطياده من قبل بني البشر؟!..صحيح أن المتحدث (وأعني هنا الممثل أو الممثلة) هو شخص ينتمي لعالم البشر، لكنني لا أراه على الشاشة لأتمكن من التفاعل معه !.. فقط تصبح نبرة الصوت هي وسيلته لاختراق عالمي ودفعي، ليس فقط للشعور في أعماقي بإحساس معين، بل أيضاً رؤية هذا الشعور رؤي العين، ولمسه أحياناً!!!
ومن بين كل الممثلين نجح كلاً من توم هانكس وميج رايان في تحقيق هذا الأمر.. كلاهما له بصمة صوتية استثنائية قادرة على جعلي أرى مشاعر الفرح والحماس والحزن والغضب ككائن حي يتحرك أمامي.. وربما كان هذا أحد أهم الأسباب التي تجعلني أشعر بالمتعة حين أشاهد فيلم Toy Story بأجزائه الثلاثة وفيلم Anastasia بدون ترجمة مكتوبة على الشاشة !..
وقد اخترت هذين المقطعين لمشاركتهما معكم علهما ينجحان في إيصال فكرتي..
ففي الأول لا أملك وأنا أستمع إلى توم هانكس وهو يتكلم بلسان وودي راعي البقر مع باز رائد الفضاء في حماس، ليدفعه لمساعدته في الهروب من براثن الولد الشرير، إلا أن أرى شعور الحماس يقفز يُمنة ويُسرة أمام عيني.. مما يحفز شعور الثقة بالنفس ليسكن بداخلي..
وفي الثاني تتمكن ميج رايان بكل حرفية بنبرات صوتها المتهدجة من النجاح في جعلي أشاهد شعور الوحدة الذي عانته "أنستازيا" - نتيجة افتراقها عن عائلتها - منزوٍ في أحد أركان الغرفة وهي تتحدث مع جدتها الدوقة..
آآآآه حقاً لا يوجد أجمل من أفلام الكارتون .. ولا يوجد ما هو أقوى من صوت بشري تفاعل بصدق مع نص مكتوب.. فنجح في جعل شخصية تتحرك على الشاشة، تبدو وكأنها كائن حقيقي !
يا صباح الفل والورد للقمر دومتي نابضة بالحياة مفعمه باحلى واصفى المشاعر
ردحذف