الأحد، 18 أغسطس 2013

تحت الرماد

ذهبت اليوم إلى العمل فلا جدوى من البقاء في المنزل والاستمرار في تلقي الأخبار تلو الأخبار التي ستؤدي بي في النهاية إلى الإصابة بأزمة قلبية مبكرة !!
في الطريق إلى العمل كنت ألمح الخوف والحزن على كل قطعة قرميد في الشوارع وعلى وجوه الناس الذاهبة إلى أعمالها او قررت الاستيقاظ مبكراً وقضاء احتياجات منازلها أو حتى الخروج للتخفيف عن النفس قليلاً حتى لا يموتوا كمداً على هذا الوطن !!
وصلت إلى مبنى ديوان عام المحافظة حيث أعمل وجدت مدرعات الجيش في حالة استنفار دائم مغلف بحالة مزيفة من الهدوء والثبات.. مبنى مركز تكنولوجيا المعلومات قد احترق تماماً.. التوتر والخوف من قبل الموظفين هو الحالة السائدة.. عساكر الأمن المركزي وأفراد الدفاع المدني "الغلابة البؤساء" منتشرون في أرجاء الديوان.. أنظر حولي بحزن شديد وأسير صامتة وناظرة إلى الأرض.. فهؤلاء هم الوقود الذي يشعل النيران تجاه أصدقائي وأحبائي السلميين.. هم يقومون بدورهم حسبما تقضي الأوامر في حماية المنشآت الحكومية.. لكن لم يسألهم أحد عن شعورهم حينما يرفع أحدهم السلاح في وجههم من قبل بعض المتظاهرين غير السلميين.. لم يسألهم أحد عن أهلهم وذويهم الذين احتسبوهم عند الله مقدماً ولا ينتظرون سوى أن يردهم خبر إصابة أو وفاة أحدهم بين الفينة والأخرى!!
أصعد إلى مكتبي في صمت وحزن ثم أجلس على مكتبي مرددة أوراد وأذكار الصباح.. يدخل زميل مؤيد لعودة الرئيس مرسي ويأبى أن يلقي السلام علينا نحن زملائه الموظفين.. لا أدري السبب وراء ذلك لكنني أبتلع الغصة وأسكت.. أقرر ألا أفتح أي حوار مع أحد حول الأحداث لكن عبث في عبث الكل بدأ في التحدث وبدأوا في اتهام بعضهم البعض بأن كل منهم يكذب الكذبة ويصدقها.. صرخت فيهم وقلت أرجوكم لا تتحدثوا في أي شيء كل ما يحدث سينتهي وستبقى اتهامات بعضنا لبعض هي الشوكة في الحلق التي لن نستطيع بلعها أبد الدهر.. أما الساسة وقادة الجيش فسيعيشون ولن يهتم أحد منهم بنا.. فمتى اهتم حاكم على وجه البسيطة لأمر محكوميه؟! .. يصمتون ولعل كلماتي قد أقنعتهم بعض الشيء لكن عبث في عبث فهم يعودون للحديث مرة أخرى بدون اتهامات هذه المرة.. أصمت وأتذكر كلماته لي بالأمس..شعرت بأنها تحمل صيغة اتهام لي بأني أراهم من الإرهابيين.. أبكي دونما دموع قهراً وألماً.. ليته يعلم مدى شعوري بالقهر والعجز لأن الموت حتى الآن يحصد الأطهار منهم وأنني أموت رعباً في كل مرة ينزلون فيها للتظاهر.. فالحياة بالنسبة لي من دونهم عبث وسواد.. تحاول بعض الزميلات إضحاكي ونصحي بأن أنفصل عن الواقع.. أقول لها لا يمكنني ذلك وانا أتوقع في كل لحظة أن يردني خبر إصابة أو وفاة أحد المقربين أو أصدقاء أصدقائي الشرفاء الأطهار.. ترد قائلة بأنها عانت هي الأخرى حين نزل من تعرفهم في ثورة 30 يونيو.. أرد في حدة طب بس ما تقوليش ثورة.. نسكت جميعاً ليعاودوا إضحاكي فأضحك ضحكة مزيفة علني أداري بها وجعي وحيرتي وخوفي الشديد.. يحين موعد الإنصراف ونخرج جميعاً إلى الشوارع.. تراودني الرغبة في الذهاب إلى أحد الأماكن التي تم تكسيرها.. لكنني أقاوم هذه الرغبة وأعود إلى المنزل وبداخلي أطنان من الحيرة والحزن القاتل !! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق